الحرية

الحرية لا تنتهي

يردد بعض العرب مقولة أن حرية الفرد تنتهي حيثما تبدأ حرية الآخرين. من غير المعروف من هو الذي ابتكر هذه الحكمة، ولكنها بلا شك خاطئة، بل تافهة، فالحرية ليست قيمة معلومة يتم تقاسمها حصصا بالتساوي بين الناس، بل إن الحرية مطلقة لكل فرد، وغير محدودة بأي قيد أو شرط.

والحرية فوضوية، لا خصوصية فيها ولا احترام، لا لقوميات، ولا لمقدسات، ولا لمعتقدات، باستثناء التحريض على العنف، من قبيل “بلاغة” خال رئيس العراق الراحل خيرالله طلفاح، الذي قال يوما إن “ثلاثة لا يستحقون الحياة هم الفرس واليهود والذباب”، وهي مقولة عنصرية مقيته، تحرّض على العنف ضد شعوب وأعراق، وتدعو لحرمانهم الحياة، وهي لا تندرج في إطار “حرية التعبير”، بل هي دعوة إلى القتل مطلوب حظرها، ومنع التداول بها، وتوعية الناس على ظلاميتها ودمويتها والمخاطر التي تنتج عنها.

ليست الحرية حصصا، بل هي مطلقة، وهي من سمات الحضارة والتنوير

​​وفي الولايات المتحدة، حددت “المحكمة الفدرالية العليا” حرية التعبير بالإشارة إلى أنها مطلقة، باستثناء التحريض على العنف أو الأذى، مثلا، لا حرية لشخص يدخل مسرحا مكتظا بالناس، ويصرخ “نار” عمدا للتسبب بهلع الحاضرين وقيامهم بالتدافع للخروج، مما قد يؤدي إلى إصابة أو مقتل بعضهم تحت الأقدام.

هذه هي الحرية، مطلقة وفوضوية، باستثناء التحريض على إبادة شعوب، أو التسبب بالتدافع والموت تحت الأرجل. كل ما عدا ذلك مسموح، بما في ذلك رسم أي من الأنبياء، أو الرسل، أو القديسين، أو القادة التاريخيين للشعوب والأمم والقبائل في رسوم غير لائقة، وبما في ذلك أيضا كتابة أو غناء أو قرض الشعر الذي يذمّ أي عقيدة أو شخصية أو جماعات أو أفراد

ومنذ وقوع هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة، اندلع النقاش حول سبب العنف الذي قاد الإرهابيين المسلمين العرب التسعة عشر إلى القيام بمجزرتهم البشعة، وقال البعض ـ في الغرب وفي الشرق ـ إن مشكلة بعض المسلمين هي في نصوصهم الدينية التي تدعو صراحة إلى العنف، وإن الخلاص هو بتعديل هذه النصوص، واعتبارها مرتبطة بزمن غابر ولى، وإنها لا تنطبق على مفاهيم اليوم والحياة العصرية.

بعض هذه الدعوات صحيحة وتستحق النظر، لكنها دعوات لا تعني اتهاما لدين المسلمين بأنه دين عنفي، والدليل أن بعض مسيحيي العرب، كبعض مسلميهم، لا يفقهون معنى الحرية، بل هم يسعون إلى منعها باللجوء إلى نفس المقولة المتهافته أن “حرية الفرد تنتهي حيثما تبدأ حرية الآخرين”.

لدى بعض الكنائس المسيحية في لبنان “مراكز إعلامية” على صورة وزارات إعلام الحكومات الديكتاتورية، وهي مراكز لا تعمل على نشر الدعاية فحسب، وهو نشاط لا بأس به، بل هي تعمل على حظر أي مواد تحسبها مهينة بحق “الإيمان المسيحي”، أي أنها تنصّب نفسها وصيّة على المواد التي تسمح للشعب اللبناني بالاطلاع عليها، وتلك التي ترغب في حجبها عنهم، وهو أمر غير مفهوم في عصر باتت فيه غالبية الرعية الكنسية قادرة على القراءة والكتابة والاطلاع على ما تخاله مفيدا لحياتها الروحية، وتفادي ما لا يروق لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى