مفهوم الحرية بين الإسلام والغرب
الحرية في الإسلام
لقد تشكل الإسلام كرسالة في مجتمع حر، ونعني بالمجتمع الحر في هذا السياق، مجتمع لم تكن تحكمه أنظمة استبدادية، كما أن الحديث آنذاك عن الدولة لم يكن ممكنا، ولا سيما الدولة بمفهومها الحديث. فالدولة رغم تعريفاتها الكثيرة التي لا تنفك عن التناسل، إلا أن امكانية عرض خصائصها تظل ممكنة غير مستعصية، وتأسيسا على ذلك، تتحدد خصائصها في ثلاث: أما الأولى فهي اختصاصات الحاكم: التي تضم أصحاب القرار والادارة المنفذة للقرار، وتتحدد الخاصية الثانية في تمركز الإكراه: ويعني وجود قرار شرعي يفرض قراراته على إقليم الدولة. أما الخاصية الثالثة، فتتمثل في: مأسسة السلطة العامة، إذ غدت الدولة تخضع للقوانين التي تنظم حقوق وواجبات الحاكم والمحكومين، وهو ما أسماه ماكس فيبر بالسلطة الشرعية العقلانية. فالحديث إذن عن الدولة بهذا المعنى، في نطاق حياة القبيلة لم يكن ممكنا؛ لأنه كان بعيدا جدا وغريبا عن ثقافة القبيلة ونمط عيشها وأسلوب حياتها.
لقد كانت القبائل لحظة تشكل الإسلام حرة لا تخضع إلى سلطان خارج سلطان القبيلة، لذلك لم تكن إشكالية الحرية إشكالية سياسية مرتبطة بالدولة. لكن عندما أعطى الإسلام قانون الإيمان “العقيدة” وأعطى ثانيا قانون المجتمع أي “الشريعة”، انحصر الحديث عن الحرية عند المسلمين فيما يتعلق غالبا باختيار الإنسان والنقاش الجدلي الذي جرى تاريخيا في تراثنا حول: هل الإنسان مخير أم مسير؟ ثم هل هو قادر على تشكيل مستقبله كما يشاء؟ أم إنه محكوم بأقدار مسبقة
الحرية في الغرب؛ نظرية الوجودية نموذجا
تعتبر كلمة حرية أكثر الكلمات استعمالا في أوروبا، فلا عجب إذا رأينا شعار الحرية مرفوعا عند الأوروبيين في كل ميدان من ميادين النشاط الإنساني، “فبقدر ما كانت الدولة توشك أن تغطي المجتمع بأكمله، بقدر ما أصبحت التجربة الإنسانية كلها تجربة سياسية مرتبطة أساسا بالدولة. وبما أن الحدود المفروضة على التصرف لا تنفك تتسع وتتنوع. يجرب المرء في كل ميدان وفي كل ظرف، وفي كل عهد من عهود حياته، الحد من التصرف، أي اللاحرية، فهو محتاج إذن إلى مفهوم الحرية وإلى الكلمة. فالوعي بضرورة الحرية ليس دليل على وجود الحرية، وإنما هو في الواقع دليل على صحة شعار الحرية؛ لأن رفع شعار الحرية يعين المرء بالفعل على تحقيق أهداف معينة.”[10] أما المجتمعات العربية الإسلامية، فلم يرفع شعار الحرية عندها إلا بعد حين، بعدما تم الانفتاح على نظريات الحرية التي تشكلت وتكونت لبناتها الأساسية في أعقاب الثورة الفرنسية، والتي هدفت إلى الرفع من أهمية الإنسان وقيمته، كرد على تلك النكبات والنكسات والمساوئ التي خلفها التاريخ. ومن بين هاته النظريات نجد: نظرية الوجودية التي تأسست على يد كيركغارد الذي هاجم أفكار الفلاسفة معاصريه، خاصة الأفكار التي قللت من قيمة الانسان وحريتة، كفريدريك هيغل مثلا الذي عبر عن تصور مفاده أن كل شيء خارج الوجدان، بينما يمثل هذا الأخير -الوجدان- معطا جوهريا وأساسيا في الفلسفة الوجودية. وفي هذا المقام يؤكد جون بول سارتر 1905-1980م أننا لا ندرك ذواتنا إلا من خلال اختياراتنا، وليست الحرية سوى كون اختياراتنا دائما اختيارات غير مشروطة.