لم أشأ أن أذهب إليها مطلقا، فقد تعلمت من الحياة دروسا، لا يمكن أن استغل ثانية، ولذلك حزمت أمتعتي وانطلقت مع الحافلة إلى المحطة، لأقرر بعد إلى أين أتجه.
كانت الحافلة ملأى بالمغادرين، هناك سيدة بدينة في الوسط، وهناك حامل، فكرت في نفسي: إلى أين يتجه هؤلاء؟ ألهم غاية مبهمة مثلي؟ ما أعسر أن يحدد الإنسان وجهته في هذه الحياة .
ومضيت أنظر إلى النافذة والحافلة تطوي البساط تحتها طيا، وكلما مرت على مدينة، تطل وجوه المغادرين من النوافذ، وكنت أداري ألما في ساقي ودوارا في رأسي مما يجبرني على التمدد. وجاءني صوتها من الغياب نديا رقراقا:
إلى أين ستذهب؟ لا أحد سيعتني بك، واللصوص سيقتحمون شقتك دون رحمة امكث هنا عندي ودعك من الشحناء، ماذا جنيت بتعصبك بحق ليس لك.
وشعرت بشيء من الندم، وراجعت جميع مراحل المشكلة وفصولها، بدءا بطلاقي ، واللجوء إلى المحاكم، ما أصعب الحياة إذا خلت من المودة .. آه تبا لي، متى تتوقف هذه الحافلة؟ وأجري في السهوب وحيدا, خاليا من كل هم.
إن بغية الإنسان في حياته أن يعيش هادئا في سكينة، لا يعنيه من أمر الخلق شيء،
كان يمكن لي أن أنهي الموضوع بالمصالحة، لكنها كانت تصر على جرحي.
كان الركاب في الحافلة يتململون في مقاعدهم، وكانت المرأة الحامل تشكو من طول الطريق، بينما أخذت المرأة البدينة ترفع صوتها وسط الحافلة، وقد بانت معالم المحطة، وتفقدت حقيبتي، ونظرت إلى الخلف، حيث جلس ثلاثة من الجنود، وهناك في مقدمة الحافلة جلس شاب أنيق، ونزلت فيمن نزلوا، لكني لم أستطع أن أحدد وجهتي، وسألت نفسي: هل أعود إليها ؟ما من شك أنها اختي، وشعرت بغصة في حلقي، وبكيت في سري، وأنا أعود إليها مجبرا، في جنح الظلام.
زر الذهاب إلى الأعلى